دير القديس أنبا
مقار
برية شيهيت
|
|
|
فن الحياة الناجحة
الأب متى المسكين
كتاب: فن الحياة الناجحة
المؤلف: الأب متى المسكين
الطبعة الأُولى: 2000
مطبعة دير القديس أنبا مقار - وادي
النطرون
ص. ب: 2780 - القاهرة
رقم الإيداع بدار الكتب المصرية:
10242/2000
الترقيم الدولي: 977-240-089-8
جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة
للمؤلِّف.
الفنون كثيرة، فهناك فن الموسيقى أرقى الفنون رقة وعذوبة وله عمالقة
أبدعوا ووهبوا البشرية أروع إبداعاتهم، وهو فن له صلة كبيرة بالروح والأعصاب
والعاطفة، يرفع النفس ويطير بها إلى أعلى القمم. وهناك فن التصوير ومعه النحت
يُلبس الألوان والأحجار مناظر وأشخاصاً تكاد تنطق من شدة الإتقان، تعبِّر عن كل
الطبيعة وكل الشخصيات وتسمو بها إلى شبه الحقائق، عبدها الجهلاء من شدة روعتها،
فهي تسلب النفس البسيطة وتُدخل في روعها أنها من عالم آخر وكلها من تراب الأرض ألواناً
وأحجاراً. وأنواع أخرى من الفنون عبَّرت عن مواهب الإنسان المتعدِّدة ولكن أَلْهَت
الإنسان عن حقيقة فن الحياة الأسمى والأعلى.
ففن الحياة متشعِّب على كل القامات، فن الأُبوَّة وفن الأمومة وفن الطاعة
للأب والأُم والرئيس أيًّا كانت رئاسته في الدين أو العمل، وفن التربية والتعليم،
وفن اتِّباع النماذج الأرقى والأعلى في الحياة. هذه هي فنون الحياة ولكل منها
أصولها وواجباتها التي توفي حقّها للإنسان الذي يريد أن يتعلَّم ويتهذَّب أيًّا
كانت قامته.
أولاً: نبدأها بالأبوَّة كأول فنون الحياة بلا منازع
لتسليم سر الحياة والنضوج:
لقد أبدع بولس الرسول حينما أرجع كل أبوَّة إلى أصلها الخالق
“الآب السماوي” حينما قال: «أحني رُكبتيَّ لدَى أبي ربنا يسوع المسيح. الذي منه
تُسمَّى كل أُبوَّة (= patri£
وليس عشيرة) في السموات وعلى الأرض» (أف
14:3و15). وقد استولى الابن على حضن الآب: «الابن الوحيد الذي هو في حضنِ الآب هو
خبَّرَ» (يو 18:1). وهذا كلام الرب يسوع الابن الوحيد المحبوب نفسه ليعبِّر عن حب
الآب للابن، الحب الكلِّي والمطلق الذي ليس له حدود. والعجب العجاب، إنْ كان في حب
الآب أو حب الابن، أن عاد المسيح يطلب من الآب في نهاية إنجيل ق. يوحنا:
«وعرَّفتهم اسمك وسأُعرِّفهم ليكون فيهم الحب الذي
أحببتني به» (يو 26:17)، “عرَّفتهم” قبل الصليب، و“سأُعرِّفهم” بعد القيامة
بواسطة الروح القدس “الذي يأخذ مما لي ويستعلنه لكم” (يو 14:16). هذا نسمع صداه في
قول الرب يسوع أيضاً حينما قال عن حب الآب للعالم: «هكذا أحب الله العالم حتى بذل
ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (يو 16:3). فنداء المسيح قبل الصليب للآب «ليكون فيهم الحب الذي
أحببتني به» هو تحصيل حاصل مما في قلب الآب: «هكذا أحب الله العالم» عالم
الإنسان.
هذه لمحة عن أصل الأبوَّة ومنهجها وعلوّها واتساعها، قد أُعطيت صورتها
للإنسان الذي خُلق جديداً على صورة خالقه ليحاكي الله في أبوَّته حبًّا وحناناً
وبذلاً لوليده الذي سيستلم منه الحياة بل والأبوَّة ذاتها، فما أسرع ما سيكون أباً
ويلد البنين والبنات. فالأبوَّة أول وأعظم تسليم يُسلِّمه الإنسان لابنه حينما
يُسلِّمه الحب والحنان والبذل، وهو حق الابن الأعظم عند أبيه.
فالأبوَّة أعظم أسرار الحياة بحسب مصدرها، كما قال
ق. بولس، فالله
أصل كل أبوة ومُعطي كل مواهبها. وأول المواهب التي يهبها الله للأب البشري هي أن
يُسلم بدوره الأبوَّة لأولاده ليبقى الله “أبا الجميع”. والمسيح ألمح إلى ذلك
لمَّا علَّمنا الصلاة الوحيدة «فقال لهم: متى صلَّيتم فقولوا أبانا الذي في
السموات» (لو 2:11)، «ولا تدعوا لكم أباً على الأرض لأن أباكم واحد الذي في
السموات» (مت 9:23). فالأب البشري هو صورة إنسانية مصغَّرة للآب السماوي الأعظم،
لهذا أصبح هو المسئول عن حفظ هذه الأُبوَّة في القداسة والكرامة. وما تعليم الابن
وتهذيبه في إطار الحب الأبوي إلاَّ لكي يكون مؤهَّلاً أن يحمل رسالة الأُبوَّة من
جيل إلى جيل.
وهنا تأتي أصول التعاليم التي على الأب أن
يُسلِّمها لابنه:
فعلى الأب أن يسلك في الأسرة أمام أولاده صغاراً أو كباراً كإنسان يخاف
الله، فيتعلَّمها الأولاد حينما يرون الأب في صلاته لله خاشعاً خاضعاً مكرِّماً
وممجِّداً اسمه القدوس بكل هيبة ووقار، بسجود متواتر لكي ينتقل السجود من وضعه
الجسدي لوضعه الروحي حينما يتمادى الأب في سجوده فتظهر حرارة الروح مع الإخلاص.
ولا مانع من أن يجعل ابنه الصغير يقف بجواره ويتعلَّم الوقوف والسجود حتى ينطبعا
في ذهنه طول حياته، وبالأكثر حينما يتلو مزاميره بصوته الشجي لتمتلئ مسامع الطفل
بتسابيح العليّ وهو صغير.
كما على الأب أن يكون سلوكه مع الأُم والخدم وبقية الناس الذين يتعامل
معهم بالصدق الشديد وتوقير اسم الله. لا يحلف ولا يكذب ولا يقبل أن يسمع الكذب
ويعاقب كل مَنْ يكذب أو يحلف أو يشتم، معلِّلاً ذلك بأنه بسبب هذه الأمور يأتي غضب
الله على البيت ويتعثَّروا في
حياتهم. فالأب مسئول عن تعثُّر أولاده أو عدم نجاحهم لأنه لم يعلِّمهم مخافة الرب
وعبادته بإخلاص حتى ترافقهم قوة الله وإرشاده في كل حياتهم «أمَّا أنا وبيتي فنعبد
الرب» (يش 15:24). فنجاح الأولاد يعتمد على قيادة الرب، وقيادة الرب تبدأ بالأب
وتمتد إلى الأولاد.
والأب يبدأ بتربية ابنه وهو رضيع، فأولاً يُظهر له عطف الأب، وبعد الرضاعة
يتدخَّل في سلوكه فيُظهر له الحب والمودة كلّما استجاب للتوجيه، فإذا خالف يُظهر
الجفاء وعدم الرضا. فإذا أذنب يبدأ العقاب بالضرب على ظهر اليدين والرجلين. وحذار
من ضرب الولد على الخد لأنها مهانة وتسيء إلى نفسيته، كذلك حذار من ضرب الولد على
مؤخِّرة فخذيه لأن ذلك خطر فهو ينبِّه الشعور الجنسي مبكِّراً، وكذلك حذار من
تقبيل الولد في الشفتين فهذا فوق أنه جريمة صحية تنقل إليه العدوى وميكروبات الفم
فهي كذلك تنبِّه شعوره الجنسي أيضاً. فالتأديب بالضرب لا يزيد عن ظهر اليد أو
الرجل ليس بنوع التأليم ولكن بتصوير العقاب، مجرَّد تصوير. فإذ صار الولد يافعاً،
فهنا يقتصر التعليم والتأديب على الإيجابيات بالمجالسة والمحادثة والقصص والخروج
مع الولد للنزهة كنوع من المؤاخاة على حسب المثل: إذا كبر ابنك آخيه، أي أشركه معك
في دخولك وخروجك ليتعلَّم الرجولة ومؤانسة الآخرين. ويبدأ تلقين الولد النصائح
والأمثلة الدينية بمجرَّد نضوج العقل قبل أن يتلقَّن الكلام والأمثال الخارجة عن
حدود التربية الروحية. وليعلم الأب أن تلقينه للابن سواء في الروحيات أو قصص
الحياة وخبراته وأخبار آبائه وأجداده يجعلها تثبت في الذهن أكثر من أي تعليم لأي
شخص آخر، لأن إحساس الابن بالأب إحساس توقير وتعظيم واحترام، فكلام
الأب يؤثر في نفسية الصبي والشاب الصغير كمثل كلام الإنجيل من جهة الثقة. لذلك
فعلى الأب أن يغرس بذور الإيمان والعقيدة في نفسية الولد وسوف تبقى في ذاكرته طول
الحياة.
أمَّا تهذيب النفس من جهة الرجولة ومؤانسة الآخرين فهي من خصائص روح
الأبوَّة التي يثبتها الأب في نفسية ابنه، فينشأ شاباً شجاعاً لا يهاب مقابلة
الناس أو التحدُّث إلى الآخرين، لأن الأب يضطلع بدور تسليم شخصيته لابنه مضافاً إليها ما اكتسبه من الحياة والخبرة وعلاقته
بالله.
أمَّا الثقافة والعلوم واتساع المدارك فهذا موكول إلى المدرسة والجامعة،
ولكن على الأب أن يسهِّل على ابنه اقتناء المجلات الدينية والاجتماعية وأُمهات
الكتب التربوية والتاريخية لدراسة أفكار عظماء البشرية في التصوير أو الموسيقى أو
الرحلات أو اقتناء الألبومات وغيرها من الهوايات، فيستزيده منها لأن المواهب هي
عطية ربَّانية وعلى الأب استزادتها وتهذيبها في الحدود اللائقة.
وعلى الأب أن يدرِّب ابنه من الصغر على أن يعتبره أصلح أب اعتراف له
ليُسِرَّ إليه بكل أتعابه وعلاقاته بالآخرين ليسهر على توجيهه وتحذيره من المخاطر.
أمَّا الآباء الذين يهملون رعاية أبنائهم من الصغر ويتركونهم للظروف
وزملاء السوء، فإن هم صرخوا إلى الله من سوء حالهم بعد ذلك فلن يسمع لهم الله،
لأنهم هم الذين تسبَّبوا في ضياعهم. فالأب مسئول عن ابنه حتى إلى الشيخوخة، لأن
كلمة الأب هي من روح الله وهي قادرة بالله للحفاظ على عفة الولد وطهارته واستقامة
شبابه ورجولته.
واحذر أيها الأب أن تشتكي أولادك لأي إنسان كان قريباً كان أو ضيفاً، لأنك
بذلك تضع حاجزاً بينك وبين ابنك فلا يعود يثق فيك ولا يعتمد عليك، لأنك - دون أن
تدري - تنشئ بذلك خصومة بينك وبين نفسه هيهات إن استطعت
رفعها، بل وتزيد مع الزمن. فإن كان لك على ابنك ملاحظة أو شكوى فاجلسا معاً سرًّا
وأفصح له بها واطلب منه أن يُريح قلبك بالكف عن الخطأ وارفق هذا بالصلاة من أجله
ليتدخَّل روح الله ويُصلح حاله، فتكسبه لله ولنفسك ولنفسه هو أيضاً، لأن طريق الله
والصلاة والصراحة مع المحبة والثقة لا تخيب.
بل وعلى النقيض تعوَّد أن تمدح ابنك أمام أُمه وإخوته والأقارب والضيوف
فترفع من نفسيته ويزداد ثقة بك ويحاول أن يكون دائماً عند حسن ظنك به. وكما تمدحه
أمام الناس سيمدحك هو أيضاً ويفتخر بأُبوَّتك.
وهكذا تتوثَّق العلاقة بينكما ولصالح الله والحياة الروحية السليمة.
وليت ابنك وكل أولادك يشبّون دون أن يكون في المنزل تليفزيون لأنه غريمك
الذي سيعلِّمه بعكس ما تشتهي وبعكس ما يشتهي الله. فلا تُدخِل أولادك في تجربة
تسوقهم للهلاك وتكون مسئوليتك للدينونة لا شفيع فيها.
كما وعليك أن تتجنَّب السهرات الماجنة سواء في بيتك أو في بيت غيرك لأن
فيها خسارة نفسية كبيرة لكل مَنْ يشترك فيها، ووراءكم مَنْ يَعدّ خطاياكم، بل وهذه
هي الخطايا التي ستتقدَّمكم للدينونة لأنها شهوة وإرادة وإصرار، فأي عذر لكم!
بل وبالعكس أقم في بيتك ولأسرتك ليالي تسبيح وترتيل وصلاة تجمع
العائلة كلها فتفرحوا بالرب ويفرح الرب بكم لأنه وعد أن يكون وسطكم، فأي مجد هذا
لكم. فإذا حضر الرب وملأ اسمه البيت والقلوب، فقد
تحصَّن البيت ضد تجارب العدو وربحت الأسرة حضور الرب.
ثانياً: فن الأُمومة:
كمثل فن الأبوَّة تماماً ويكوِّنان معاً شركة فن الحياة للحياة.
ويكفي المرأة عظمةً أن تُختار القديسة مريم العذراء أُمًّا لابن الله بغير
رجل حيث ارتفعت بها الأُمومة لتحتضن اللاهوت وتسمو بالولادة لتُدعى أُمًّا لابن
الله، فرفعت العار عن حواء وغسلت بدم ولادتها إثم كل مَنْ ولدت أولاداً للمسيح
والآب، وتجاوزت قول داود في المزمور «وبالخطية حبلت بي أُمي» (مز 5:51). ففي آدم
ابتدأ عمل “الجنس”، الذكر والأُنثى، لحفظ النوع الآدمي من الفناء؛ ولكن في المسيح
انتهى عهد الجنس، الذكر والأُنثى، لتوقُّف الموت وانفتاح باب الخلود. لذلك لم
يَعُد للجنس في الميلاد الثاني من الماء والروح من فوق وجودٌ لسيادة عهد البر،
وهكذا صار في العهد الجديد حسب القول الإلهي: “بالبر ولدتني الكنيسة”. وصار بالحري
القول: “في اسم المسيح ولدتني أُمي” فصار كل مولود المرأة في المسيح أهلاً لدخول
ملكوت الله وله ملائكة تحرسه وتُعطي جواباً عن حراستها أمام وجه الآب.
فقد ارتفع المسيح بالأُمومة لتلد بنين وبنات لله، ثم فتح القديس بولس
ذهننا لندرك أن البنين والبنات في المسيح قد صاروا واحداً وسقطت كل الفوارق التي
كانت تفرِّق البنين من البنات. ففي المسيح لم يَعُد يوجد ذكر وأُنثى بل هما واحد،
ثم عاد بولس الرسول ودعا المؤمنين في المسيح سواء رجالاً أو نساءً بـ“عذراء عفيفة
مخطوبة للمسيح” (2كو 2:11)،
وهكذا أرجع المتزوجين في المسيح إلى بتوليتهم، وأرجع المتزوجات في المسيح إلى عذراويتهن وصار الجميع في عين الله
والمسيح عذراءً عفيفة هي الكنيسة التي
تلد بنين وبنات وتُدعى كما هي عذراء المسيح أي جسده().
انظر أيها القارئ السعيد إلى أي مستوى يرتفع القديس بولس بالأمومة في
المسيح - فالمرأة التي تلد بنين وبنات لله دعاها عذراء
عفيفة، فعذراوية العذراء خرج منها جسد المسيح العذري، ومن جسد المسيح العذري خرجنا
جميعاً عذراء عفيفة. فإن أنا دعوتُ الأمومة في المسيح أنها فن للحياة وأعلى كل
الفنون، فأنا أرتفع بالرؤية البشرية للمرأة لأضعها في مستواها الذي سجَّلته لها
العذراء القديسة مريم، ومستواها الذي سجَّله لها بولس الرسول “في المسيح” لما قال
إننا كلنا عذراء المسيح وأعضاء جسده.
هذا كله يعطي للمرأة في المسيحية هالة مستمدَّة من
هالة الكنيسة بل ومستمدَّة من جسد المسيح، يتقاسمها
معها رجلها ليقيما نسلاً للمسيح وأولاداً لله يُسرّون مشيئة الله وقلبه
كقول بولس الرسول لأهل أفسس: «إذ سبقَ فعيَّننا للتبنِّي بيسوعَ المسيحِ لنفسهِ،
حسب مسرَّة مشيئته.»
(أف 5:1)
والآن ندخل في وظائف المرأة
الحيوية الفريدة:
وأول فنون المرأة الحياتية هي فترة حملها، إذ يتفق العلماء المختصون أن
المرأة تبدأ تُسلِّم وليدها مزاجه ورتم أعصابه وهي حامل به، فإمّا تسقيه بعصبيتها
وقلقها وأفكارها وأحزانها مزاجه المتعب المشوب بالكآبة والعصبية، ويُسلِّمه الطفل
بدوره لشبابه ورجولته وأولاده؛ وإمَّا تسقيه بأدويتها المهدئة والمنوِّمة مزاجه
الرهيف المتعب القلق والمنقبض المغموم. ثم تعود وتشتكي من حال ابنها وهي التي
سرَّبت إليه سوء مزاجه. ولكن الأُم التي تُقدِّر فن الحياة ومسئوليتها تجاه
وليدها، تهبه مزاجاً هادئاً مسروراً منفتحاً أثناء حملها به بترنيمها الشجي وسلامة
فكرها المشحون بالأفكار الإنجيلية والتأملات الروحية وقراءتها المسموعة في الإنجيل
بصوتها الرخيم، فتُشرِّب الروح للطفل من روحها وتدسم النفس بالكلمة، فيتقبَّل
الجسد والنفس هذا ويستجيبا له. وتفرح الأُم بنضارة ابنها وروحه الوثَّابة ونشاطه
وذكائه.
أمَّا عن دورها في الرضاعة فهو أهم من كل ما سبق لأنها تسقي مع لبنها كل
صفاتها وحالتها النفسية والروحية دون أن تدري، وحتى وجهها الذي يظل الطفل
متطلِّعاً إليه يستقي منه ملامحه، إن كان بالحزن والكآبة أو بالفرح والسرور
والابتسام. كذلك فطعامها الذي تأكله يؤثِّر كثيراً فيما يرضعه الابن. ويقول
المتخصِّصون إن هناك أطعمة مفضَّلة جدًّا للمرأة التي ترضع وليدها عليها أن
تتعاطاها طول فترة الرضاعة من أجل صحة وليدها وتكامل نموه.
والفطام يلزم أن يكون تدريجياً، ساعة رضاعة، وساعة طعام باليد
سهل لذيذ ليحبه الطفل ويُقبل إليه حتى يسهل عليه الخروج من تعوُّد الرضاعة
والعبودية للذَّاتها الجسدية والنفسية.
والأُم الناضجة هي مَنْ تهنِن ابنها بعد الرضاعة
وتربِّت على ظهره وتملِّس عليه حتى يخرج الهواء الذي امتصه مع اللبن، لأن الهواء
يتحوَّل في أمعائه إلى مغص ويعكِّر مزاجه. كما وأنها توسده على فراشه وتهننه إلى
أن ينعس بعد الرضاعة حتى تهدأ أعصابه وينام ملء جفنيه ويقوم نشيطاً يلعب بيديه
ورجليه مهمته الكبرى في الحياة وتمرينه الرياضي الأول استعداداً للشقاء القادم.
وتقلّل بقدر الإمكان من حمله في الحضن إلاَّ إذا تعكَّر مزاجه حتى يتعوَّد على
الاستغناء عن الحضانة قليلاً قليلاً استعداداً للمشي. لأن الولد الذي يعتاد حضن
أُمه يتكرَّه المشي وعناءه وينشأ متلهِّفاً على أُمه لا يكف عن الصراخ حتى تحمله
ويستعبدها ويستبدّ بها وينفذ أوامره بالبكاء والصراخ. هنا يلزم جدًّا تهذيب الولد
بإظهار الجفاء، إن من الأُم أو الأب، حتى يكفّ عن الاستبداد ويتعلَّم طاعة الأوامر
من الصِّغَر. هنا يبدأ تعليم الحياة للولد، فيشبُّ رجلاً يعتمد على نفسه. ولا تلجأ
الأُم أو الأب إلى ضرب الولد بقصد تأليمه حتى يبكي، فهذه إساءة غير مرغوبة، ولكن
بالجفاء، والمقاطعة تكفي، وإن لزمت العقوبة فتكون شكلية فقط بالضرب الخفيف على ظهر
اليد أو الرجل، يُدرِك منها غضب الأُم أو الأب فيكف عن العناد.
وعندما يشب الولد عن الطوق يبدأ التعليم، ولا يهمنا من درجاته وأشكاله
إلاَّ تعليم الحقائق الإيجابية. فلا يُلقَّن التخاويف بالعفريت والبعبع
وأبو رجل مسلوخة() وشمهورش الذي
يأكل العيال حتى لا ترسخ هذه الخزعبلات بتصاويرها في نفسه وينشأ رجل أوهام ويخاف
من خياله، بل يُلقَّن اسم الله صانع الخيرات الذي يُرسل لنا الأكل وملابس العيد
والبسكويت والشيكولاتة المخصوصة التي تصنعها الملائكة للأطفال المطيعين. ويتعرَّف
على الحقائق في الطبيعة، فيتعرَّف على القط والكلب ولا يخاف منهما، وإذا بلغ قامة
الصبوة يرى بقية الحيوانات ويتعرَّف عليها بأسمائها ثم من صورها دون تخويف، حتى
الأسد فهو صديق الأطفال والنمر قط كبير والفيل ملك الغابة.
ثم يبدأ في التعرُّف على صور القديسين ويفرِّق
بينهم، الذين يصلُّون من أجل المرضى لُيشفَوا. ويؤجَّل التعرُّف على آلام المسيح على الصليب
حتى سن العاشرة حتى لا ينطبع على قلبه الصور الحزينة فتؤثِّر على نفسيته. فالمسيح
هو حبيب الأولاد وصديق العائلة وحارس الأولاد ومعطي الخيرات. الذي يُنجح في الامتحانات الأولاد المجتهدين الطائعين لوالديهم.
وإلى هنا ينتهي دور الأم في التعليم ليرافق الطفل بعد ذلك الأب في الخارج
ليتعلّم فن الحياة على الطبيعة ويؤانس الناس ويتعرَّف على الفقراء ويعطيهم من
مصروفه.
ثالثاً: فن الطاعة في الحياة:
الطاعة لمن له الطاعة. وتبدأ من طاعة الأب الهامة والخطيرة، فطاعة الأب
أهم من الأكل والشرب، ويتلقَّن الطاعة من الأُم حينما تطيع الأب
أمامه: نعم، حاضر. ومهما طلب منه الأب عليه أن يستجيب بدون تردُّد أو استعفاء
وإلاَّ يُحرَم من أعز ما عنده، ولا يجلب له الأب لعبه المفضَّلة إلاَّ إذا أظهر
الطاعة. ومن طاعة الأب لطاعة الأُم التي بيدها الحلويات، فإذا لم يُبدِ الطاعة
يُحرَم من الحلويات ويُعبَّس في وجهه. ومن طاعة الأب والأُم لطاعة المعلِّم
المقدَّسة. فينشأ الولد محباً للطاعة كفن للحياة الفُضلى، وينفتح أمامه طريق
النجاح في الحياة بسبب طاعته لرؤسائه ودماثة أخلاقه ولطفه. فالطاعة للموظف بالنسبة
لرؤسائه وزملائه الأكبر هي رأس مال لا يُقدَّر، يتخاطفه الرؤساء ويخرج صيته أنه
موظف ملتزم مطيع حكيم نافع، ويكون الفضل للأب والأُم منذ زمن الحضانة، حيث غرسا
فضائل الطاعة والمحبة والاحترام واللطف ومجاملة الناس التي هي فن الحياة الناجحة.
هذه كلها تُلقَّن منذ الصبوَّة، فيعتاد الأب والأُم استدعاء الولد ليُسلِّم على
الضيوف، وسيَّان إنْ كان يعرفهم أو لا يعرفهم، ويلقَّن ماذا يسأل وماذا يجيب،
فيتعلَّم كيف يُرحِّب بالضيوف، وكيف يرد على أسئلتهم، ويُجازَى إن أتقن فن الضيافة
بهدية جميلة تذكِّره بنجاحه في مقابلة الضيوف. وحذار من انتهار الأولاد عند مجيء
الضيوف حتى يلزموا غرفتهم ولا يخرجوا منها كأنها حبس إجباري حتى يخرج الضيوف. هذا
هو هدم لشخصية الطفل فيخرج فاشلاً في معاملة الناس هارباً من المجتمع خجولاً جباناً
فاقداً لأهم عوامل النجاح في المجتمع. وحذار من شكوى الأطفال للغرباء فهذا يُنشئ
قطيعة نفسية دفينة بين الولد وأبيه وأُمه تحزّ في نفسه ويظل يتذكَّرها باللعنات
على أبيه وأُمه. فالضرب والشتيمة والانتهار والتضييق على حرية الولد وحرمانه من
الحنان وبقية حقوقه الطبيعية يحفظها الطفل بالنقمة على أبيه وأُمه ويشتهي لو يموتا
أو يشتهي أن يميت نفسه ليتخلَّص من هذا الجحيم الجاهل
الأحمق. وهذا هو الإعثار الذي يُجازَى عليه الأب الجاهل أو الأُم الحمقاء، ويطلبون
وجه الله فلا يرونه. فحذار أن تكون عثرة لطفلك وإلاَّ ينتظرك حجر الرحى ولُجَّة
البحر!
ومن طاعة الناس إلى طاعة الله وطاعة وصاياه، فطاعة أوامر الأب العاقلة
والحكيمة توصِّل الطفل حتماً إلى طاعة الله ووصاياه بلا جهد. فانظر كيف ستكون سبب
بركة وخلاص لابنك إن علَّمته الطاعة المذعنة مهما كان فيها من مشقة، فالطاعة تقوم
على تكليف الذات وبذلها أحياناً وهذه تحتاج إلى قوة نفسية ونعمة يمهِّد لها الأب
في نفس الطفل بحبِّه ولطفه وسخائه وبذله من أجل راحته وإسعاده.
وبصفتي أب رهبان يأتيني الراهب غير مهيَّأ للطاعة، والرهبنة تقوم أول ما
تقوم على الطاعة بل وتنتهي بالطاعة، فكيف نغرسها في نفس شاب قد تخطَّى العشرين سنة
وهو لم يمارسها في بيته، فهو حينما يُواجَه بحتميتها يهرب من الدير ويدوس على
الدعوة، لأن الدعوة الرهبانية مؤسَّسة على البذل، وأول صورة للبذل هي الطاعة، بل
وخلاصنا نفسه قد قام على الطاعة الإلهية: طاعة الابن للآب حتى إلى الموت موت الصليب.
لذلك جعلها المسيح منهجاً وطريقاً: مَنْ أراد أن يتبعني فليحمل صليبه ويتبعني،
وكيف سيحمل الصليب وهو كاره للطاعة؟ يطلب أن ينفِّذ رأيه ومشيئته ويُقيم هواه،
وإلاَّ يدوس على الدعوة بكاملها، ويدوس على تعليمات الأب وإرشاده. فكيف نُصلح حال
راهب غير مطيع؟ وهل يمكن أن نبدأ بأن نعلِّم الطاعة لمن قد ابيضَّ شعره؟ هذه
خرافة، والذي لم يتعلَّم من المسيح إماتة الذات كذَّاب إن قال أنا مطيع وهو قد
ألقى صليب الطاعة وداسه برجليه. فالطاعة هي سر الحياة الناجحة لأنها سر الخلاص
ورضا
الآب السماوي: «وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفَّعه الله أيضاً، وأعطاه اسماً
فوق كل اسمٍ» (في 8:2و9). فالذي سلَّمنا فن الطاعة الجبارة المذهلة هو المسيح
بصليبه. ودعانا أن نحمله أي أن نحمل طاعته!! وقالها واضحة صريحة: «مَنْ يهلك نفسه
من أجلي يجدها» (مت 25:16) فأين سنُهلك الذات؟ في السماء! فإذا لم نستطع أن نُهلك
الذات هنا بكل وسيلة فلن نجدها هناك!
الأمانة الخُلقية:
الأمانة الخُلقية هي ثمرة مخافة الله، فيستحيل أن يبلغ الإنسان حدَّ
الأمانة الخُلقية إلاَّ ويكون قد تهذَّب وشبَّ على مخافة الله. قد تكون تسليماً من
الأبوين ولكن بالأكثر هي هبة من الله. فالأمانة الخُلقية مجالها الذي تعمل فيه
متسع للغاية. أمانة في الحق، فيستحيل أن يكذب على أي مستوى ولأي سبب مهما كان، فلا
يُرائي ولا يعطي رأيين ولا يلف أو يدور، بشبه الله الذي يقول عنه الكتاب أنه «ليس
عنده تغيير ولا ظل دوران» (يع 17:1). فالأمانة في الحق خُلق رباني وفيض من لدن
الله، هي صورة لعمل الله بين الناس، ومثل هؤلاء يقيمون حق الإنجيل والإيمان
والعقيدة بين الناس وفي الكنيسة ويمجِّدون الله بحياتهم.
والأمانة في الحق تُعرض على الإنسان في فجر شبابه، فإن استهوت نفسه
واستعبد ذاته لأصولها واستعد لدفع ثمنها من غيرة الآخرين وحقدهم وتجارب الشيطان
وأهواء النفس، استأمنه الله عليها واستزاده من أعماقها فيُشتهر بها وتسبقه أينما
حلَّ وكلما تكلَّم كرائحة ذكية تعطِّر الجو.
والكنيسة أحوج ما تكون للأُمناء في الحق، وإذا برز شاب في أسرة
واشتهر بأنه أمين في الحق تُسبغ عليه مهابة القديسين ويُستأمن على مقادير الأسرة
وربما القرية أو المدينة. إذ يكون أميناً في كل ما يقول وكل ما يعمل ولا يحابي
الوجوه ولا يتهاون أمام تهديد أو وعيد، يحكم بالعدل حتى وعلى نفسه كمقولة سعد
زغلول باشا زعيم مصر سابقاً: [إذا أخطأ ابن سعد حلَّت عليه كلمة العقاب].
والأمين في الحق أمين على أسرار الناس لا يبوح بالسر ولو كان السيف على
رقبته، فيتهافت الناس على استشارته وأخذ رأيه وإيداع أسرارهم لديه عالمين أنها
محفوظة في خزانة من حديد. ولعلّ الأمانة في حفظ الأسرار أقدس أنواع الأمانات لأنها
تُحمل كأعلى معيار لمخافة الله. وهي لازمة وحتمية للكاهن وقائد النفوس، وتُحسب
أنها هي التي تزكيه أمام الله والناس. وإن اختلَّت معاييرها صار مذمَّة بين الناس.
والأب يُطالَب بحفظ أسرار زوجته وأولاده وأسرته، والأُم لأسرار زوجها وبناتها
وأولادها؛ وإلاَّ تتفتَّت الأسرة وتصير مهزأة بين الناس. والجار مُطالَب بحفظ
أسرار جاره بحق الجيرة وإلاَّ نشبت المعارك.
وبالنهاية، فالأمانة في حفظ السر هي أرقى فنون الحياة وهي فائق على مقادير
البشرية أو ما يسمُّونه بـ“السوبرهيومان”. وعقوبة الإخلال بالسر في الحكومات
والجيوش هي الإعدام. ويتفرع من الأمانة في الحق: الأمانة في تأدية الواجب للطالب
والموظف والجندي، وهذا يبدأ تعليمه لابن الحضانة حينما يُعطى واجباً ليؤديه.
فتُغرس الأمانة غرساً في طباعه من أول يوم، ثم يُعتنى جدًّا بالإشراف على تأدية
واجبات تلميذ الابتدائي والثانوي وحتى الجامعة حتى تصبح أمانة الواجب حياته وأخلاقه
وموهبته الفُضلى! فيشب طبيباً أميناً، ومحامياً أميناً، وضابطاً أميناً، ومدرِّساً
أميناً.
وكم رأينا في حياتنا مدرسين أمناء في تأدية واجباتهم فكدنا نعبدهم عبادة لأنهم
أعطونا صورة نبي وصحَّ فيهم القول:
[قم للمعلِّم
وَفِّهِ التبجيلا
|
\
|
كاد المعلم أن
يكون رسولاً!]
|
الأمانة على مال الغير:
أكبر اختبار للنفس البشرية. إمَّا أن تكون النفس قد بُنيت على أساس المسيح
والحق والازدراء بالعالم وبالجسد وشهوات النفس، وإمَّا قدَّمتها الأسرة والكنيسة
للمجتمع فارغة من قوة المسيح والحق، جائعة للعالم ولمظاهره وأمجاده وشهواته، أسيرة
لشهوات الجسد. وكما يقول المثل: [العين الفارغة لا يملأها إلاَّ التراب] والتراب
هو الذهب. يُقال أن أحد بطاركة بيزنطة (الامبراطورية الرومانية الشرقية) استأمنه
الإمبراطور على أسير عنده ابن لإمبراطور آخر وتركه وديعة عنده باعتباره أعظم من
يؤتمن على وديعة، فأغراه القوم بذهب كثير وسرَّبوا الولد من الأَسْر فلما طالبه
الإمبراطور بالأسير كذب وقال إنه سُرق، فلمَّا فحص الإمبراطور الأمر بدقة علم بالحقيقة والذهب الذي أخذه رشوة وكسر الأمانة، فأمر
الإمبراطور بصهر الذهب على النار
وفتحوا فمه عنوة وصبوا الذهب السائل في حلقه ومات.
المال يغري النفس الجوعانة الخالية من نعمة الله، والذي يسرق الجنيه يسرق
الكنيسة بل ويبيع ا!!
لذلك كان تعليم الولد من الصغر على حفظ الأمانات من أقدس الواجبات،
فالأمانة سلاح من أقوى الأسلحة لمقاومة شهوات العالم والجسد. ولا ينبغي أن ننسى أن
الأمانة والإيمان كلمة واحدة فالذي
يحفظ الأمانة يحفظ الإيمان، والذي لا يحفظ الأمانة يخون الإيمان: «كن أميناً إلى
الموت فسأُعطيكَ إكليل الحياة.» (رؤ 10:2)
رابعاً: فن العمل في الحياة:
الإنسان خُلق ليعمل، وهذه كانت أول وصايا الله للإنسان بعد أن خلقه: «وأخذ
الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها» (تك 2:15). وبعد أن أخطأ
آدم وأخرجه الله من الجنة خرج ليعمل في الأرض:
«فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أُخذ منها» (تك
23:3). وهكذا نرى أن العمل بالنسبة للإنسان كان هو عماد حياته سواء لمَّا كان في الجنة وهو في غاية سعادته أو لمَّا أخرجه الله من
الجنة ليعمل الأرض، وهو في غاية تعبه وشقائه. ما معنى هذا؟ معناه أن الحياة
بالنسبة للإنسان عمل سواء أن يسعد به أو يشقى به، ولكن الله رفع الإنسان من حالة
الشقاء والبؤس التي هبط إليها بعد أن أخطأ وأُخرج من الجنة ليعمل الأرض وجعل
لحياته عملاً آخر ليس لحساب الأرض التي أُخذ منها وإليها يعود، بل لحساب السماء
حيث وُهب وطناً أفضل ومدينة باقية. هذا هو عمل الخلاص. فصار للإنسان هبة العمل
للخلاص وهو أرقى حتى من عمل الجنة الذي أخفق فيه، لأنه عمل حسب مسرَّة مشيئة الله،
وتتميماً لعمله الإلهي، فأُعطي الإنسان عمل الصلاة، وعمل الخدمة الكرازية للآخرين،
وعمل الخير والبذل لإسعاد الفقراء، وعمل التسبيح والترتيل على طقس الملائكة
السمائيين. وكل عمل من هذه الأعمال يُحسب فناً من فنون الحياة الجديدة التي وهبها
الله للإنسان.
عمل الصلاة:
فعمل الصلاة هو أرقى فنون الجسد والنفس والروح منجمعين معاً.
وهو الوجه الأفضل للحياة حينما يكف الإنسان مرَّة واحدة عن أي عمل جسدي أو
عقلي ليبدأ بالعمل السمائي الإلهي لحساب الوطن الأفضل والمدينة الباقية، فيقف
الإنسان بكل أعضائه وقدراته وملكاته الجسدية والنفسية والروحية وقفة اعتدال أمام
الله مُنجمع الفكر والعواطف ومُركِّزاً كل العقل والحواس نحو الله الخالق المُبدع،
ينسكب أمامه سكيباً في يقظة روحية عالية، حيث يُحسب الإنسان أنه بوقفة الصلاة - وهو
منجمع العقل والنفس والروح - قد دخل في حضرة الله، وهو واقف يتلقَّى توجيهاته
وإحساناته. لأن أي صلاة خارجة عن حضرة الله لا تُحسب صلاة. فالصلاة هي حديث سرِّي
مع الله بلا رقيب. والإنسان يستحيل عليه أن يدرك ما يحدث له أثناء وقوفه في الصلاة
أمام الله، فمجال الله الفائق القوة والعمل يشمل الإنسان كلاًّ نفساً وعقلاً
وروحاً بل وجسداً أيضاً. يعيد الله صياغته باعتباره عمل يديه، يهبه أشياءً لا
يدركها الإنسان، ويرفع عنه شوائب الدنيا والزمان، ولا يعي الإنسان ما يحدث له ولكن
يشعر أنه قد تقبَّل راحة وسلاماً وطمأنينة من لدن الله.
فعمل الله أثناء الصلاة في كيان الإنسان يُحسب كطعام فائق النوعية يدسم
النفس والروح كمعمودية متجدِّدة. هذا هو عمل الصلاة: فن روحي سرِّي فائق الإدراك
يستهين به الجاهل ويحتقره الأحمق، أمَّا أولاد الله الذين تعلَّموا من الصبا كيف
يقفون وقفة الصلاة أمام الله بخشوع ورهبة وسجود، والروح في أوج ارتفاعها، فهؤلاء
يعيشون على الصلاة بأكثر مما يعيشون على الطعام والشراب.
ويكفي الإنسان أن يثق أنه في حضرة الله، في حضرة الآب السمائي
الأعلى والأقدس حيث يتلقَّى عواطف الأُبوَّة الإلهية ومحبتها ورضاها وهداياها،
ليخرج من لدن الله محمَّلاً بالبركات ورضا الآب الأعلى.
والصلاة إن دخلت في أدوارها العميقة وهامت النفس بالله كما يحكي إشعياء
عظيم الأنبياء: «إلى اسمك وإلى ذكرك شهوة النفس. بنفسي اشتهيتك في الليل. أيضاً بروحي في داخلي إليك أبتكر» (إش 26: 8و9)،
فتكون قد عبرت الأرض بأجوائها وسمت وولجت بيت الآب حيث المسيح جالس يقدِّمها لأبيه
في اعتزاز وتزكية، لتتقبَّل من الآب تعطُّفات الأبوة الحانية التي تُجدِّد روح
الإنسان وتصيغ صورة النفس لتكون على صورة الله في القداسة والحب.
أفلا ترى معي أن الصلاة إذا استوفت مفاعيلها تكون رحلة سعيدة إلى أعلى
السموات، ليُعيد المسيح ملئها من عند الآب ويرسلها عائدة محمَّلة بقوى تجديدية
تجعل الحياة تستحق أن تُعاش؟ هذا هو فن العمل بالصلاة ويا له من فن يفوق كل فنون
الحياة! لأنه من عمل الصلاة تنبثق كل أعمال الحياة وتتقيَّم وتأخذ قوتها ومسارها
ويُدعى الإنسان حقـًّا أنه حيّ بالله!! ويصدق
قول بولس الرسول: «لي الحياة هي المسيح!» (في 21:1).
عمل الخدمة الكرازية:
إنه قانون الحياة الفضلى الذي حدَّده سفر الرؤيا: «ومَنْ يسمع فلْيَقُلْ:
تعالَ» (رؤ 17:22). ومَنْ ذا يطيق أن يسمع صوت القدير يرن في قلبه ولا ينطلق يكرز،
حيث الكرازة في معناها اللغوي هي الصراخ، هي المناداة بأعلى صوت كما صنعت السامرية
«فتركت المرأة جرّتها ومضت إلى المدينة وقالت للناس: هَلُمُّوا انظروا إنساناً قال
لي كل ما فعلت. ألعلَّ هذا هو المسيح» (يو 4: 28و29)؟ هذه هي المرأة التي ليس لها
زوج،
تركت جرَّتها ونسيت نفسها، أهملت خطيتها وتحدّت سيرتها وخرجت تكرز. تكرز بالمسيَّا
الذي ذبحه حنَّان وقيافا بعد مناداته بالخلاص ثلاث سنوات ونصف! وكأني بالمسيح يقول
للسامرية: اذهبي اذهبي، أكرزي لا تخافي، خطيتك عليَّ!
فالكارز إنسان قد سمع صوت القدير يرن في قلبه ببشرى الخلاص، ففي الحال
ينسى نفسه، ينسى خطيته، ينسى زمالة الخطاة وسيرة التعثُّر وينطلق ينادي بالخلاص
الذي دخل قلبه بغير حق ولا استحقاق! والخاطئ إذا اقتبل مراحم الله وذاق شَهْد
التوبة فهو أقدر مَنْ يكرز للخطاة ويجذب الهاربين من وجه الله!
عمل الكرازة هو عمل ينبع من الخلاص ولا ينبع من قلب الكارز وفكره، يجذب
العقول والقلوب إلى فكر الخلاص وعمله، إلى قلب الله الذي يدعو - عمل
الكرازة قوة تنسكب من الأعالي لتشمل الكارز قبل أن تشمل المكروز لهم. سمعنا وما
أروع ما سمعنا أن أطفالاً وصبياناً صغاراً يعملون عمل الكرازة في أندونيسيا فرقاً
فرقاً، قائدهم لا يزيد سنه عن 15 سنة! عندما فرغوا من الكرازة لجزيرة بأكملها
أرادوا أن ينتقلوا إلى جزيرة أخرى ولم يجدوا مركباً تقلهم. فقال كبيرهم: اسمعوا
أنا سأقف على الشاطئ وسأصلِّي وأسير على الماء فسيروا ورائي، وسار القائد وسار
الصبية وراءه على الماء حتى وصلوا إلى الجزيرة الأخرى. نعم، ليست الكرازة بالحصول
على المؤهلات الدراسية ولا القدرة على الحفظ والتسميع، ولا بكمال الأجسام والعقول.
فإن كان الأولاد مدعوين بجدارة لدخول ملكوت السموات، فالأولاد أقدر من يكرزون
بملكوت السموات. فمرَّة أخرى وكأني بالمسيح يقول إن لم ترجعوا وتصيروا مثل
الأولاد فلن تستطيعوا أن تكرزوا بملكوت السموات.
وكأن عمل الكرازة فن لا يقوى عليه إلاَّ ذوو القلوب التي بلغت بساطة
الطفولة في سماع صوت الله كصموئيل «تكلَّم يا رب لأن عبدك سامع» (1صم 9:3)، فسمع الطفل ما لم يسمعه عالى الكاهن الشيخ! ومن
يسمع هو وحده الذي له الحق أن يقول تعالَ بحسب قانون سفر الرؤيا!
أمَّا العودة إلى قامة الطفولة فما يعززها قصة الأخت المتنصِّرة التي رأت
المسيح بوجهه يقترب منها وتعجَّبت لبساطته وحبه الفائض، فلما قال لها ماذا تنظرين
في وجهي، فردَّت: أرى وجه طفل! فلمَّا قرأتُ أنا هذا أخذتني الدهشة وتذكَّرت قول
الرب، فأدركت في الحال أن قامة الطفولة بقلبها ووجهها كان يحيا بها المسيح بعد
القيامة، وليس من عجب لأنه هو الحياة الأبدية عينها. وفهمت أن قوله إن لم ترجعوا
وتصيروا مثل الأطفال فلن تدخلوا ملكوت السموات مؤسّس على أن في مقدور الإنسان،
بمعونة الروح القدس، أن يحيا قامة طفولته التي وهبها لنا المسيح في الإنسان الجديد
بخلقته الجديدة بشبه خالقه في البر وقداسة الحق، وهي قائمة ودائمة في أعماق خلقتنا
الجديدة كأساس وجودنا في الحياة الأبدية. ومن هذه القامة الملكوتية أُعطي للكارز
بنعمة الله أن يكرز بملكوت الله. هذا حق منتهى الحق. وإلاَّ بماذا يكرز الإنسان
وهو في العالم يعيش وصوت العالم يطغي على كل صوت! هذه فلسفة الكرازة بالروح، وهذا
هو فن العمل عند الكارزين.
عمل الخير والبذل لإسعاد الفقراء:
وللفقراء اسم جديد يلزم أن نلتزم به وهو إخوة الرب الأصاغر الحاملين شخص
الرب، فإن كان هذا هو اسمهم، ففي الحال يصير
العنوان: “إعطاء الحق لأصحابه وافتقاد أهل بيت الله”، فنحن لا نتحسّن على
إخوة الرب ولا نصنع الخير لأهل بيت الله، بل وإن افتقدناهم نكون قد افتقدنا أنفسنا
ونلنا نصيباً مع المقدَّسين. ففلسفة صنع الخير للفقراء في المسيحية ارتفعت فوق منح
نياشين الملوك ورفع مستوى الصعاليك إلى درجة الملوك والرؤساء، فالذي يفتقد شحاذاً
في المسيحية هو في الحق وعين الأمر ينال حظوة رب المجد ويتشرَّف بولوج بيت الآب في
أعلى السموات! ومَنْ يُؤهَّل لهذا المجد؟ ومَنْ ذا الذي يُنعَم عليه أن يتشرَّف
بزيارة إخوة الرب، أو إن شئت مَنْ ذا الذي يطعم بيده مسكيناً هو في حقيقته الرب
نفسه متخفياً في ثوب شحاذ؟! إن كان الرب قد هزَّ السموات هزًّا وزلزل الأرض
زلزالاً يوم تخلَّى عن مجده وأخذ صورة عبد وصار في الهيئة كإنسان. فاقشعرِّي يا
سماء، واهتزي يا سماء السموات، وارتجفي يا أرض إنسان الشقاء ارتجافاً، فقد تنازل
رب المجد ولَبِسَ جسد مسكين مطروح على فراش المرض يتلوَّى من ألم ومن جوع! ومَنْ
ذا يطيق الرؤيا ومَنْ ذا يطيق السماع؟
هكذا شاء القدير صاحب السموات وأمجادها أن يقترب من بؤس الإنسان اقتراباً
مزعجاً، بل هو ليس اقتراباً بل قد لَبِسَ بنفسه من جديد بؤس الإنسان وشقاءه وصار
واحداً مِمَّنْ لفظتهم البشرية، وسكن جحوراً تحت سطح الأرض تزورها مياه المجاري
لتعطّر جوها والناس يتنعَّمون على فراش وأسرَّة في قصور تزيِّنها الزهور وعطر
الزهور! فلم تعد زيارة المسكين والفقير وقفاً على الأغنياء وأصحاب الأموال، بل من
كان في يده قرشاً فهو مدعو لزيارة الرب والتعرُّف عليه وإسقاط قرشٍ في جيبه لعلّه
يبل به ريقه. ففلسفة العطاء في المسيحية صارت في متناول
الأطفال يتحسَّنون بمصروفهم أو جزءٍ من مصروفهم() فليشعروا أنهم قد
صاروا من المحسنين.
والكلام لكم يا أصحاب الدخول الكثيرة والخزائن المزدحمة بالأموال. يا أصحاب
الملايين وملايين الملايين. فإن الساقط من موائدكم قادر أن يلغي من سجلات الشئون
الاجتماعية كلمة فقراء ومعدمين، ويقيم المطروحين
على تراب الأرض ليحتلُّوا الأَسِرَّة في المستشفيات لو كان هناك قلوب تحس أو عيون تُبصر أو إنجيل يُقرأ.
ولكن كما يقول المثل العربي:
[لقد أسمعتُ لو
ناديت حيًّا
|
\
|
ولكن لا حياة
لمَنْ تُنادي!]
|
فالفقراء والمساكين يزدادون كلما زادت الأموال في جيوب أصحاب الملايين!
فهل من يضحك أو مَنْ يبكي؟
المسكين يموت جوعاً وأصحاب الملايين يُتخمون! المريض يتجرَّع سكرات الموت
لأنه لا يملك جرعة دواء والبنوك تفيض ببلايين من أموال الأغنياء ... آه لو طالت
يدي روح العدالة على الأرض لخنقتها! ولكن مالي وأغنياء هذا الدهر، إليكم يا شباب
الجيل أُصوِّب كلماتي ... أَلاَ من جماعة تملأها غيرة رب الجنود وتقوم لتمسح أماكن
هؤلاء المعدمين الذين انحطّت دخولهم وأرزاقهم إلى ما دون الصفر؟ لقد نسيت الكنيسة
عملها وواجبها كأُم ولدت بنين وطرحتهم بعيداً عنها كالهرَّة التي تأكل
أولادها بعد أن تلدهم - لأنهم فقراء مُعدمين، وانشغلت بأصحاب الملايين
تلاطفهم وتزورهم في المناسبات وغير المناسبات وتخدمهم خدمة العبد للسيد لتنقل
أموالهم من بنوكهم إلى بنوكها أولاً بأول، ومن مخازنهم إلى مخازنها وليس من يدري
ولا يسمع ولا يرى. وأمَّا مساكين الرب فتركتهم كلعازر لألسنة الكلاب تلعق جروحهم.
أَلاَ من جماعة تملأها غيرة الرب وتقوم توقِّع أسماء الفقراء ومساكين
الأرض في كشوف وتبوِّبهم إلى درجات ومستويات، وتدور على بيوت المحسنين تلتقط من
الفتات ومن نوافل الدولارات لتسد رمق الجوعى، وتداوي أمراض المطروحين وتُدخِل روح
البهجة على المرضى والمشلولين والمشلولات لينعموا بجرعة دواء قبل أن يضمّهم فساد
القبور؟
إلى متى تسمع الكنيسة قول الرب: «الحق أقول لكم: بما أنكم لم تفعلوه بأحد
هؤلاء الأصاغر فبي لم تفعلوا. فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي» (مت 25: 45و46)، وتسدّ
كلتا أذنيها؟
فن التسبيح والترتيل وشركة عمل السمائيين:
كل ما ذكرناه من فنون الحياة أرضية هي، إلاَّ هذا الفن فهو سمائي بالدرجة
الأُولى. يا لسعد البيت الذي تتقن فيه ربَّة البيت الترتيل وتُشرِك زوجها وأولادها
في تقديم ذبائح الشكر تسبيحاً وترتيلاً، فيمتلئ البيت بهجة سماوية وتغشاه
الملائكة. يستيقظ البيت كله على أصوات التسبيح والتمجيد ويبيت على أصوات الشكر
والرضا. لو قيست الصلوات في كنيستنا لوجدنا أن التسبيح وترتيل المزامير يستغرق
أكثر من ثلثيها!
قد يصعب الاستطالة في الصلاة، ولكن في التسبيح والترتيل فلا حدود
لها لأنها بهجة للقلب والفكر ودواء للقلق والملل! وإن كانت الصلاة تُحسب خدمة
روحية، فالتسبيح والترتيل هو تقديس وتمجيد بشبه خدمة الملائكة في حضرة الله.
وإن كانت القدرة على التسابيح والتراتيل تُحسب موهبة إلاَّ أن كثيرين
اكتسبوها بالتمرين والتلقين منذ الصغر. فلماذا لا يدخل في تعليم الأولاد والبنات
دروس التسبيح والترتيل وحفظ المقطوعات الدينية لإسعاد حياة الأُسر؟ الولد الذي
ينشأ منذ الصغر على صوت أُمه الرخيم وهي تهننه بالغناء والترتيل ينشأ سعيداً
متفتحاً على الدنيا، والأولاد الذين يتربّون على الترتيل في الصباح والمساء وقبل
النوم تظل كلمات الترتيلة ترن في أذنهم حتى الشيخوخة تقودهم وسط أعاصير الحياة.
فعمل التسبيح والترتيل هو كله مقدَّم لله يُنشئ جيلاً تقياً ملتصقاً بالله، سعيداً
مرحاً. والبيت الذي يعرف التسبيح والترتيل لا يدخله الغضب والنكد.
أمَّا إذا عدنا إلى التسبيح كواجب عبادة لوجدنا العهد القديم كله قائماً
على تسابيح الله. فما من سفر من الأسفار إلاَّ ويحض على تسبيح الله على كل حال وفي
كل حال ومن أجل كل حال. وسفر المزامير كله سفر تسابيح وتهليل لله في كل الظروف؛
حزينة كانت كاعتراف وتذلل، أو فرحة كتمجيد وشكر يدوم. وقد انتقلت هذه الروح بأكثر
قوة وأكثر سبباً للعهد الجديد، تنبأ عنها مزمور (18:102-22): «يكتب هذا للدور (الجيل) الآخر. وشعب سوف يُخلق
يسبِّح الرب. لأنه أشرف من علو قدسه، الرب من السماء إلى الأرض نظر. ليسمع أنين
الأسير ليطلق بني الموت ... عند اجتماع الشعوب معاً والممالك لعبادة الرب». ويؤكد
هذا بولس الرسول في رسالته إلى أهل أفسس:
«مكلِّمين بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية، مترنمين ومُرتِّلين في
قلوبكم للرب» (أف 19:5). وفي رسالة كولوسي (16:3): «لتسكن فيكم كلمة المسيح بغِنى،
وأنتم بكل حكمة معلِّمون ومنذرون بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية،
بنعمة، مترنِّمين في قلوبكم للرب». وهكذا نفهم أن التسبيح والترتيل والأغاني
الروحية تدخل في التعليم والإنذار، وأن الترنيم يصدر حقـًّا من القلب ليُنشئ علاقة
حيَّة مع الرب. وكأني بالبيت الذي يداوم التسبيح والترنيم والأغاني الروحية قد صار
كنيسة فرحة مسرورة بالرب.
وهكذا أسبغ الله على التسبيح والترتيل هالة قداسة، وجعل الحياة المسيحية
وقد صارت ترنيمة وأُنشودة من أولها لآخرها هو فيها الألف والياء. وهكذا صارت
الأسرة التي تخلو الحياة فيها من التسبيح والترنيم تكون قد قصَّرت في حق الله وحق
إسعاد أولادها!
وسمعنا أن هناك كنائس أرثوذكسية في مصر قد كسرت حاجز الخوف بسبب تقاليد
ميتة وأدخلت الأرغن يرتِّل بالموسيقى على أصوات المرتِّلين وجدَّدوا عهد داود
وقيثارته ومزماره. فلماذا لا تكسر البيوت تقليد الصمت والشفاه المقفلة وتُدخِل
البيانو ويتعلَّم عليه مَنْ يتعلَّم لتُدخِل السعادة الروحية في قلوب الجميع ويفرح
بهم الله ويبتهج الروح! وذلك في ملء الكمال المسيحي والتقوى.
السماء ترتِّل
بأصوات ملائكية، فكيف تصمت الأرض وقد حلَّ فيها من تُسبِّحه الملائكة؟!
(19/5/2000)
الأب متى المسكين