دير القديس أنبا مقار
برية شيهيت
في اللاهوت
“الله واحد”
مع شرح صلاة
“أبانا الذي في السموات”
الأب
متى المسكين
كتاب:
في اللاهوت: “الله واحد”،
مع
شرح صلاة “أبانا الذي في السموات”.
المؤلف:
الأب متى المسكين.
الناشر:
دير القديس أنبا مقار.
الطبعة
الأولى: 1996.
مطبعة
دير القديس أنبا مقار - وادي النطرون.
ص. ب 2780 - القاهرة.
جميع
حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤلف.
في اللاهوت
“الله واحد”
oVoVo
وحدانية الله ليست عددية ولكنها “طبيعية”، فطبيعة
الله غير منقسمة لذلك فهي واحد حتماً.
فهو “الحق”، والحق لا ينقسم، والحق في الله مطلق لا حدود له، كليٌّ
هو!
وهو “الحياة”، والحياة لا تنقسم، فحياة الله مطلقة لا تُحدُّ،
كلِّيةٌ هي، ودائمة، لا بدء لها ولا نهاية!
وهو “المحبة”، والمحبة لا تنقسم، ومحبة الله مطلقة لا يحيط بها
فكر، تفيض على كل الخليقة ولا تزال تفيض ولا تنضب أبداً.
ولكن ليست هذه العناصر الثلاثة المطلقة تكفي لتستعلن
لنا طبيعة الله.
“الله
ذات واحدة”
فـالله ليس مجموعة عناصر تعمل بذاتها، ولكن الله ذات
عليا تعمل وفق عناصرها المطلقة.
وأقرب صورة لـ “ذات الله” خلقها على مثاله لتعطينا
قدرة على معرفته، إن تأملناها جيداً، هي ذات الإنسان: «وقال الله: نعمل الإنسان
على صورتنا كشبهنا...» (تك 26:1)
وذات الإنسان
بصورتها الكاملة، كما تراها أيها القارئ السعيد، إذا تأملتَ نفسك، تجدها في
وحدتها المتكررة التي حافظت على وجودها هذه الآلاف العديدة من السنين بالرغم من
الموت الذي يلاحقها تحت مئات العوامل المميتة؛ تتكون من “أب” و “ابن” (وطبعاً من
“أُم” و“بنت”). الأب يسلِّم حياته لابنه ويموت، والابن يكبر ويصير أباً، وبعد أن
يسلِّم حياته لابنه يموت، وهكذا. هذه الأُبوَّة والبنوَّة والحياة التي منهما، هي
“وحدة” المخلوقات طرًّا!
فلو كفَّت الأبوَّة أن تعطي الحياة للبنوة، أو كفَّت
البنوة أن تقبل الحياة، أو كفَّت الحياة أن تكون؛ لكفَّ العالم عن الوجود المخلوق،
إنساناً كان أو حيواناً أو أي حيٍّ يُرزق.
هذه هي عناصر “الذات” الإنسانية التي فينا والتي نعيشها ونحسُّها وبها نوجد
وندوم: أب وابن وروح!!
وهذه بحسب قول الله لما أراد أن يخلق الإنسان: «نعمل
الإنسان على صورتنا كشبهنا».
انظر وتأمل، فهذه العناصر الثلاثة للذات البشرية التي
هي على صورة الله وبشبهه، هي التي حافظت وحفظت الإنسان من الفناء حتى اليوم. فحاشا
لصورة الله الحيِّ الدائم أن تفنى.
هنا يتحتَّم علينا أن نرفع وعينا الفكري إلى فوق، إلى
مصدر هذه العناصر الذاتية الثابتة - الأبوَّة
والبنوَّة والحياة - التي أَعطت الإنسان والخليقة هذا الوجود الدائم
الثابت الرتيب.
هنا نحن أمام ذات الله مباشرة، الآب الكليِّ الوجود
والدوام، والابن القائم مع الآب بذات الوجود والدوام، والحياة أي روح الله في الآب
والابن. والثلاثة ثلاثة عناصر ذاتية لطبيعة الله “الذات الواحدة”.
سألني سائل: كيف يكون الله آب وابن بآن واحد؟
فسألته: هل لك ابن؟
قال: نعم،
قلت له: إذن، أنت أبٌ!!
ثم سألته: هل لك أبٌ؟
قال: نعم،
قلت له: إذن، أنت ابنٌ!!
وهكذا أنت أب وابن بآن واحد!!
ثم سألته: هل أنت حيٌّ؟
قال: نعم،
قلت له: إذن، فيك روح!!
وبالنهاية، أنت أب وابن وروح في ذات واحدة. فأنت لستَ ثلاثة بل واحد، وهذه
هي عناصر الذات الواحدة.
ثم سألني: وما دور المرأة؟
قلت: بحسب تسمية آدم لها، هي “حواء” «أُم كل حي» (تك
20:3). وهي أصلاً جزء من جسد الرجل. فهي أداة حفظ الأُبوَّة والبنوَّة في
العالم، ولولاها ما كان كل حيٍّ!!!
فالإنسان تجده في أشد الحاجة إلى
زوجة ليبقى ويدوم. ولكن الله ليس في حاجة إلى زوجة لأنه باقٍ حيٌّ دائمٌ.
فالأُبوَّة في الله أو “الله الآب” حيٌّ دائمٌ
كائنٌ بذاته. والابن “الله الابن” حيٌّ كائنٌ في ذات الله. و“الروح القدس” قائمٌ
دائمٌ في الآب والابن: «لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته، كذلك أعطى الابن أيضاً
أن تكون له حياةٌ في ذاته.» (يو 26:5)
وهكذا، فوحدانية ذات الله هي أعظم وأجلُّ أسرار الله،
وهي سر وحدة الوجود التي يتحرك بها ويتحرك نحوها العالم، منجذباً لوحدة الله في
ذاته التي هي سر خلقة العالم وسر كيانه وحياته ودوامه!
عودة إلى ذات الإنسان:
لماذا يسعى الرجل سعياً حثيثاً وربما محموماً لكي يتزوج؟
إنه شعور شديد بالنقص، أنشأ نزوعاً شديداً نحو
التكميل. أما النقص فهو بسبب الحاجة الذاتية أو حاجة الذات الطبيعية إلى ابن يحبه
الأب، فيطفئ عطش ثوران الحب في عاطفته. وبآن واحد، تعطش الذات الإنسانية إلى مَنْ
يحبُّها هي حبَّ ذاتٍ لذاتٍ، أو بالحري حبًّا يكمِّل الذات، لأن الابن جزء لا
يتجزَّأ من ذات الأب. فالابن حينما يحب أباه، ترتاح ذات الأب، وتكتفي بذاتها!!! إذ
تحس باكتمال نقصها بوجود ابن، وهكذا فإن الابن عنصر أساسي في الذات.
فإذا عدنا لذات الله، عزَّ وجلَّ، نجد أن حب الآب
للابن وحب الابن للآب هو مطلق، بمعنى أن الآب ليس له حبٌّ خارج الابن، إذ في الابن
تكمن كل طاقة حب الآب. فإذا أحب الله العالم مثلاً، أحبه من خلال الابن!! والابن
كذلك يحب الآب حبًّا مطلقاً بحيث تكمن كل طاقة حب الابن في الآب. فإذا أحب الابن العالم مثلاً، أحبه من خلال الآب،
بمعنى كما يريد الآب!!
إذن، في ذات الآب والابن يكمن كمال الحب المطلق. وبذلك
فذات الله مكتفيـة اكتفاءً كاملاً مطلقاً بذاتها. وهذا هـو الذي يـجِلُّها ويرفعها
لتسمو فوق كل ذات مخلوقة. وفيها وحدها سر الكمال المطلق.
ولينتبه القارئ، لأن كل ما للآب هو للابن، وعلى
المستوى المطلق؛ والتساوي في المطلق هو أصل وأساس الوحدة. فإن كان الآب كلِّي
الحب، والابن كلِّي الحب، تحتَّم أن يكون الآب والابن واحداً على مستوى المطلق،
هكذا في المعرفة والعلم والعمل والمشيئة. لذلك فوحدانية الآب والابن مطلقة.
إذن، فالبنوَّة أو “الابن” في ذات الله يحمل سر حب
الله الآب، وسر كمال ذات الله، وسر وحدانية الله التي تفوق كل عقل. لذلك لما أراد
الله أن يعلن ذاته للعالم ويُمارس حبه الأبوي مع الإنسان، أرسل ابنه متجسداً!
وماذا قال المسيح وعلَّم عن وحدانية الله؟
قال: «أنا والآب واحد» (يو 30:10)! وبالتالي قال: «الذي رآني فقد رأى
الآب!» (يو 9:14)
هنا انتفت الثنائية نفياً باتاً بين الآب والابن. ولكي
يزيد الوحدانية وضوحاً قال: «... أني في الآب والآب فيَّ» (يو 11:14). هنا امتنع
التفريق بين الآب والابن، واستحالة وجود الواحد بدون الآخر. وهذا تأمين الوحدانية
لذات الله تأميناً مطلقاً: «لأني لست وحدي بل أنا والآب الذي أرسلني.» (يو 16:8)
وحدة العمل بين الآب والابن:
+ «أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل.» (يو 17:5)
+ «لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل، لأن مهما
عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك.» (يو 19:5)
على أن وحدة العمل قائمة على أساس وحدة الحب المتبادل بالتساوي المطلق:
+ «لأن الآب يحب الابن ويُريه جميع ما هو يعمله.» (يو
20:5)
+ «كما أن الآب يُقيم الأموات ويُحيي، كذلك الابن أيضاً يحيي مَنْ يشاء.»
(يو 21:5)
وفي نهاية خدمة الابن على الأرض، خاطب الآب هكذا:
+ «أنا مجَّدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل
قد أكملته.» (يو 4:17)
+ «فالذي قدَّسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له إنك تجدِّف لأني قلت
إني ابن الله. إن كنت لستُ أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي، ولكن إن كنتُ أعمل، فإن
لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فيَّ وأنا فيه.» (يو
36:10-38)
وحدة الفكر بين الآب والابن:
+ «الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم...» (يو
8:17)
+ «تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني.» (يو 16:7)
+ «وأنا ما سمعته منه فهذا أقوله للعالم.» (يو 26:8)
+ «... أني أنا هو، ولست أفعل شيئاً من نفسي، بل أتكلم بهذا كما علَّمني
أبي.» (يو 28:8)
وحدة المشيئة بين الآب والابن:
+ «لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني.»
(يو 30:5)
+ «لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة
الذي أرسلني.» (يو 38:6)
+ «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأُتمم عمله.» (يو 34:4)
فإنْ تأمل القارئ يدرك أن وحدانية الله ليست محصورة في
ذات الله، بل هي وحدة فعَّالة، وفعلها شمولي يؤثِّر في الخليقة كلها والكون كله
بتأثيرات متناهية في التعددية، لتحفظه فيما هو عليه من دقة الرتابة، وتدفعه إلى
الأمام في نمو تطوري. ولكن فوق ذلك كله فوحدانية الله منطبعة على الكون تحفظه في وحدة
الكيان الواحد المؤتلف تآلفاً يُذهل العقول.
(مارس 1995)
شرح صلاة
“أبانا الذي في السموات”
lYlYl
تبدأ
صلاة “أبانا الذي في السموات”، حسب إنجيل القديس لوقا 1:11، كاستجابة لطلب
التلاميذ من الرب يسوع، هكذا: «وإذ كان يُصلِّي في موضعٍ، لمَّا فرغ قال واحد من
تلاميذه، يا رب علِّمنا أن نُصلِّي كما علَّم يوحنا أيضاً تلاميذه...».
إذن، فالصلاة الربانية ليست نموذجاً للصلاة القويمة
وحسب، بل هي بالأكثر صلاة امتياز تعرِّف بمِنْ يُصلِّيها إنه من خاصة المسيح! هكذا
استلمتها الكنيسة منذ البدء كمنحة من المسيح تستعلن بها شخصيتها ووجودها في
العالم، باعتبار أنها للرب هي، وللرب تحيا وتعيش، في شركة مع المسيح، محدَّدة
الهويَّة كجماعة ورثت الخلاص.
«“أبانا” = (يا أبَّا)
الذي في السموات»:
من مطلع الصلاة، تنكشف العلاقة الحميمة والخاصة جداً التي تربط الإنسان
المسيحي بالله. فنداء “أبَّا” هو بالأرامية، وهي لغة المسيح، وتنحصر هنا في نداء
الطفل - أول ما يتعلَّم الكلام - مُنادياً أباه “يا أبَّا”(). ولكن في لغة
المسيح نجد أن مناداة الله الشخصية جداً تأتي
بنفس هذا النداء “أبَّا”!! وبنفس هذا المعنى، تأتي أيضاً مُعبِّرة عن عمق ثقة
المسيح في الله ومدى سلطانه. فبهذا النداء عينه نُنادي نحن الله الآب: كـ «أحد
الصغار المؤمنين» (مر 42:9)، أو بالحري كأحد أفراد بيت الله وإخوة المسيح، نشاركه
في ثقته بالله أبيه وأبينا، وفي سلطان بنوَّته أيضاً! هذا المعنى عينه، التقطه
بولس الرسول الموهوب وعبَّر عنه هكذا:
+ «إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف، بل أخذتم “روح التبنِّي” الذي
به نصرخ يا أَبَا الآب. الروح نفسه أيضاً يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله...» (رو
15:8و16)
وبولس الرسول يقصد تماماً أنه إن استطعنا أن ننادى الله يا “أبَّا”، فهذا
معناه أننا نلنا روح التبنِّي، وبالتالي صار الله أبا لنا، وصرنا نحن مع المسيح
ورثة:
+ «ثُمَّ بما أنكم أبناءٌ أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً يا أَبَا
الآب!» (غل 6:4)
لهذا، وبسبب بقية مضمون الدالة التي تملأ الصلاة
الربانية كلها، انتبه كل الآباء القدامى ليضعوا في مقدِّمة هذه الصلاة بنوع من
الاعتذار هذا القول: “امنحنا أن نجترئ أيها الآب أن ندعوك: "أبانا
الذي..."”().
وفي القداس الروماني تبدأ الصلاة
الربانية: “نحن نجترئ ونقول: يا أبانا الذي...”، أما في الطقس القبطي الأرثوذكسي
الحالي فنقول: “اجعلنا
مستحقين أن نقول...”، غير أن الاستحقاق هنا ربما لا يسنده إلاَّ كوننا أطفال الله().
«ليتقدَّس اسمك»:
كان أول تقديس لاسم الله سمعه الإنسان، ما سمعه إشعياء
النبي حينما استُعلن له الله في هيكله!! (إش 1:6-4)، وهكذا كل استعلان لله
يُرافقه تقديس اسم الله حتماً. ولأن إشعياء رأى رؤيا العين الله جالساً في
هيكله، سمع في الحال هتاف السيرافيم، هذا ينادي ذاك لتدوِّي السماء كلها
والأرض: «قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملءُ كل الأرض، فاهتزَّت أساسات العَتَب
من صوت الصارخ، وامتلأ البيت دخاناً».
ونداء صلاة “أبانا الذي”، بتقديس اسم الله كأول طلب في
هذه الصلاة، هو بمثابة استدعاء سرِّي لاستعلان مجد الله! هو هتاف قلبي
اسخاتولوجي لطلب مجيء الرب بإلحاح لتحقيق صراخ السيرافيم في رؤيا إشعياء لكي يصير «مجده
(مجد الرب) ملءُ كل الأرض!!» (إش 3:6)، «فيُعلَن مجد الربِّ ويراه كل
بشر!!» (إش 5:40)
إن تقديس اسم الله في “أبانا
الذي” هكذا كل يوم وكل ساعة وبلا ملل، هو محاولة عنيفة من جهتنا أن نغطِّي وجه
زمان غربتنا، وشقاء وتعب يومنا وعمرنا، برؤية إيمانية حارة متلهِّفة لاستعلان مجيء
المسيح في ملء مجده ليتحقَّق «مجد الرب ملء كل الأرض». لقد أخذنا في ندائنا بتقديس
اسم الله هكذا متواتراً عمل السيرافيم، ولن نكف حتى نرى ما رأوا!
«ليأتِ ملكوتك»:
هكذا يتحقَّق للقارئ مدى صدق معنى «ليتقدَّس اسمك»،
كما أسلفنا. فالتقديس المتواتر لاسم الله هو دفعٌ سرِّيٌّ متعمِّق ومُلتهب
لاستعلان الله على الأرض الذي هو بعينه ليأتِ ملكوتك!! ليُستعلن الله ملكاً على
مَنْ مَلَكَ الله قلوبهم!
ولكن أعجب ما في أمر طلبنا لتقديس اسم الله وطلبنا
ليأتي ملكوته، أن المسيح نفسه هو الذي يحثُّنا على طلب هذا وطلب ذاك!! إن المعنى
المستتر خطير للغاية بالنسبة لدورنا الرئيسي في عمل الله على الأرض!!
لأنه إن قال الرب إنه سيأتي في ملكوته، فملكوته آتٍ
آتٍ حتماً، ولكن أن يحثَّنا نحن أن نطلب مجيئه فهذه ضرورة مطلقة، لأنه لِمَنْ يأتي
وعلى مَنْ يملك؟ لهذا فنداؤنا لله لمجيء ملكوته هو عن قصد متعمَّد من الله
والمسيح، أن نكون شركاء في مجيئه هذا وشركاء في ملكوته أيضاً حين يأتي، نكون
كعملاء منظورين لعمل غير منظور، كنقط فعَّالة ومُضيئة على الأرض تُعدُّ موضع
ارتكاز لقدميه عندما يحطُّ على أرض شقائنا، هذا لو صحَّ المعنى!! وهذا مرادف
لقوله: «ولكن متى جاء ابن الإنسان ألعلَّه يجد الإيمان على الأرض.» (لو 8:18)
ثم لو تحققنا أن “مجيء الملكوت” رهن بعمل الروح القدس
حينما يبلغ ذروته في العمل والشهادة وتكميل البشارة بالإنجيل، كوعد الله، حينما
تبلغ البشارة إلى كل الأمم، ووفاقاً لما أعلنه الرب سرًّا لذوي القلوب الواعية حينما قال: «ولكن إن كنت أنا بروح
الله أُخرِج الشياطين، فقد أَقْبَلَ عليكم ملكوت الله» (مت 28:12)؛
إذن، فالروح القدس يكون فينا عاملاً لإقباله علينا، والمسيح استودعنا الروح القدس،
والله أيضاً على
استعداد دائماً لإعطائه: «فكم بالحري الآب الذي من السماء يعطي الروح القدس للذين
يسألونه.» (لو 13:11)
إذن، ونحن الآن حاصلون على الروح القدس، والآب عند
وعده أنه باستعداد لإعطاء المزيد لِمَنْ يسأل، فقد أصبح إقبال الملكوت علينا تحصيل
حـاصل، نطلبه لا لكي يأتي مـن خارج، بل نطلبه لكي يُستعلن فينا وبنا. فنحن
مسئولون - بسبب
عطية الروح القدس فينا - عن مجيء ملكوت الله
واستعلانه! فإن كنَّا نطلب مجيئه، فلا نحن غرباء عن مجيئه ولا هو غريب عن صميم
كياننا.
ولكن ليس عن كمال استعداد حاصل فينا الآن نطلب إتيان
ملكوته؛ بل نحن نستحثُّه لسرعة المجيء بسبب ثقل الواقع الزمني وعمق طغيان الشر
المحيط، إنها محاولة مستميتة من جهتنا لاختزال الزمن وتقصير الأيام: «ولو لم
يُقصِّر الرب تلك الأيام، لم يَخلُصْ جسدٌ» (مر 20:13). لذلك فشدَّة التوسُّل
ليأتي ملكوته، يدخل مباشرة في معنى طلب الرحمة والعون في حينه، وِفَاقاً لما يطلبه
الله نفسه وينويه من نحونا. وكأنما الله سلَّمنا نسخة من مشورته فيما هو مزمع أن
يعمله، وأوحى إلينا أن نذكِّره بها كل يوم بنداً بنداً، لا لكي يتذكَّرها، بل لكي
يَذْكُرَنا في عمق ضيقنا ويوفي ما وعد!! ولكي ونحن محاطون هكذا بضيق الأيام وظلمة
هذا الزمان، نذكر أن ملكوته آتٍ ونوره حتماً سيشملنا! ونحن معه على ميعاد!
«لتكن مشيئتُك كما في السماء كذلك على الأرض»:
إنه أمر مُلفت للنظر جداً أن يلقِّنا المسيح هذه
الطلبة بالذات، التي أصبحت تمثِّل أخطر نقطة حرجة في حياة المسيح وفي علاقة الابن
بالآب.
فهي خلاصة مأساة جثسيماني التي بلغت ذروة التوتُّر لتنتهي براحة وسلام وطمأنينة
تفوق الوصف، عندما نطقها المسيح وانتهى من حياته ليشرب كأس المرارة حتى الموت:
«وابتدأ يحزن ويكتئب. فقال لهم: نفسي حزينة جداً حتى الموت... وكان يُصلِّي
قائلاً: يا أبتاه، إن أمكن فلتَعْبُرْ عني هذه الكأس، ولكن ليس كما أُريد أنا بل
كما تريد أنت... يا أبتاه، إن لم يمكن أن تعبُر عني هذه الكأس إلاَّ أن
أشربها، فلتكن مشيئتُك!» (مت 37:26-42)
هذا هو نموذج المشيئة العُظمى لله التي تمت على الأرض
فكانت كما هي في السماء: أن يموت الابن ويخلُص العالم! وأن تكون مشيئة الله هي
تأليم الابن بكل آلام وتعذيب الصليب حتى الموت، فإنه يصبح علينا أن نستيقظ من نوم
غفلتنا فلا نظن ولا نطلب مشيئة الله على غير هذا الأساس. فهذه هي مشيئة الله في
السماء التي صارت كذلك على الأرض، فأنشأت الخلاص والغفران والمصالحة والحياة
والمسرَّة وكل صلاح وفرح الروح، وسعادة وسلاماً وكل ما هو مُسِرٌّ وصالح وفاضل.
ولكن لا ننسى أن ذلك كله صار من خلال آلام وعذاب المسيح وموت الصليب. بمعنى أن ضريبة
كل خير وصلاح ونجاح ومسرَّة تقابلنا في الحياة بتدخُّل مشيئة الله والاتكال عليها
ومناداتها، قد دفعها المسيح من دمه ورصيد آلامه وعذابه على الصليب!
لذلك يتوجَّب علينا بكل واجب أن نكون على وعي، إن نحن
طلبنا تدخُّل مشيئة الله والإلحاح في عملها، بأن نستمد هذه المشيئة من مشيئة تسليم
المسيح لحياته على الصليب وشُرْبه كأس المرارة حتى الموت.
إذن، فأصبح من حقنا كل الحق أن نطلب مشيئة الله
السماوية
الكاملة والمرضية من نحونا كل لحظة وفي كل عمل وكل فكر، ولكن ليس خِلْواً من صورة
الصليب على خلفية من الدم، فكل مشيئة صالحة للرب عليها ختم “مدفوع الضريبة”.
أما كل ضيقة وكل ألم وكل مرض نعانيه في هذا الزمان
وهذا الجسد، فلا يمكن من جهتنا - نحن الذين
فُزْنا بالخلاص الأبدي وميراث الحياة - أن يخرج
عن مشيئة الله عينها الصالحة والمرضية والكاملة، إذ تُحسب لنا بشيء من الامتياز
أنها شركة في ضريبة الصليب وآلام المسيح. لأنه، وبالنهاية، إن تألمنا معه فسوف
نتمجَّد معه كشركاء في «فلْتكُن مشيئتك».
هكذا عاشت الكنيسة بهذه الروح: «فإذاً، الذين يتألَّمون
بحسب مشيئة الله، فليستودعوا أنفسهم كما لخالقٍ أمين، في عمل الخير.» (1بط
19:4)
«خبزنا الذي للغد أعطنا اليوم»:
هذا الخبز هو الذي يرى الله أنه يقيم الحياة، وليس كما
نراه نحن، لأن الحياة عند الله أعظم مما نراه ونحسُّه ونعيشه. لذلك أراد المسيح أن
يشير إليه خفياً لذوي القلوب التي تحس وتُدرك معنى الحياة، فوصفه بأنه “خبز
الغد”!! tصn ™pioعsion. وهذه
الكلمة تأتي باليونانية لتفيد لا “الغد” حسب الظاهر، بل لتفيد ما هو ضروري جداً
للحياة أو الوجود = (what
is necessary for existence) = essential، ولكن هذا الوجود أو هذه الحياة في هذه الكلمة لا
تفيد أنها الحياة أو الوجود الحاضر الزمني!! بل ينصبُّ المعنى المسيحي في هذا
الموضع بالذات على أنه “الوجود الآتي” أو “الثاني” أو “الغد”!!
هذا الشرح المأخوذ به الآن لغوياً ومعنوياً، قدَّمه
العالِم يواقيم إرميا()، عن بحث مستفيض رجع فيه إلى
مخطوطة بردية ضاعت ولم يبقَ منها إلاَّ شذرات، وفيها وجد أن “الإبيؤوسيون” هي
الكلمة اليونانية المترجمة عن الكلمة الأرامية ma har
وتعني بالتحديد “الغد”!! هذا يؤكِّده القديس جيروم ويعلِّق عليه(). وكلمة “الغد”،
تأتي هنا بالترجيح المنطقي حينما تقول الآية: «أعطنا “اليوم”». فـ “الغد”
“لليوم” شديد الترجيح!! “اليوم” هنا هو التعبير عن الحاضر الزمني، و “الغد” هو
ما بعد الحاضر الزمني، حيث خبز الغد يكون هو خبز الخلاص للحياة الأبدية!
إذن، فالجوهري، والأساسي، والهام، بالنسبة للخبز، ثم
“الغد” الذي هو “غد” الله الآتي، يشير بإشارة المسيح الخفية إلى “خبز
الله”، “خبز الحياة” الأبدية، خبز الحق: «أنا هو خبز الحياة... هذا هو
الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت»!! «أنا هو الخبز الحي
الذي نزل من السماء، إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد، والخبز
الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم.» (يو 48:6-51)
إذن، فقد وضح المعنى أشد وضوح، فحاجتنا “اليوم” وكل
يوم ليس إلى خبز حنطة يُخبز في التنور نأكله ونموت، ولكن الحاجة يا إخوة أشد
الحاجة في شقاء يومنا وموتنا الذي نموته كل يوم هي إلى خبز حي نأكله ولا نموت!!
نأكله في شقائنا هذا لنحيا حياة لا يقربها شقاء ولا موت!! خبزاً نأكله فتنفتح
أعيننا على الحياة وتلتهب قلوبنا فينا بحضرة المسيح
ونقوم نبشِّر بالقيامة والخلاص: «فلما اتكأ معهما (تلميذي عمواس) أخذ خبزاً وبارك
وكسر وناولهما، فانفتحت أعينهما وعرفاه ثم اختفى... فقاما في تلك الساعة
ورجعا إلى أورشليم... وهم يقولون إن الرب قام بالحقيقة...» (لو 30:24-34)
ولكن أليس هذا عجباً أنه حتى خبز الحياة الأبدية،
يعطينا المسيح الحق أن نطلبه ليقتحم يومنا وموتنا، ليحوِّل يومنا الزمني
إلى يوم من أيام ابن الإنسان كيوم عمواس!! ما هذا؟ إن صلاة «أبانا الذي في
السموات» قد سلَّمنا إياها المسيح كمفتاح سرِّي: نغيِّر بها واقعنا كله! حتى «خبز
اليوم»، إذ نأكله بحضرة المسيح نعيِّد للقيامة ونحيا الخلاص والملكوت!! وهكذا
فوصية «خبز الغد»، تعود بدورها وتصير هي هي «ليأتِ ملكوتك»، بل وتعييداً مستمراً
لمجيئه!! وهكذا كلُّ مَنْ يصلِّي «أبانا الذي...» ويدخل بروحه وقلبه وفكره إلى
«خبز الغد»، عليه أن يُحلِّق ويطير بالروح ويعبر يومه وزمانه ليحطَّ على الخلود،
ليذوق طعام الحق وترياق عدم الموت، ويعود ليبشِّر بالحياة وبسرِّ الخبز النازل من
السماء!
«واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين
إلينا»:
هنا الجرأة على مخاطبة الله بخطاب يُصاغ فيه الفعل على
مستوى الأمر، هذا أمر جلل! لم يُسمع به من قبل، لأنه فعل أمر ليس حتى على
المستوى التوسُّلي، بل بلغ فيه الاجتراء أن يكون الأمر على مستوى الحق
والاستحقاق!!! فمَنْ يصدِّق ومَنْ يحتمل أن يسمع؟
فالمسيح هنا أعطانا حقاً واستحقاقاً مُذهلاً أن نقتحم
مجال غفران الله، لنطلب منه الغفران بمقتضى تقديم وثيقة الاستحقاق!! بمعنى: “لأننا
نغفر، فاغفر”!! لأننا نحن نغفر للمذنبين إلينا، فاغفر لنا ذنوبنا!!!
هنا نرى أن الوضع انقلب بالنسبة لطلب: «خبز الغد»
ليأتي «اليوم»، حيث الخلود يقتحم الزمن، أما هنا فالزمن هو الذي يقتحم
الخلود!! مَنْ يصدِّق؟؟ فالفعل الذي نأتيه زمنياً بأن نكون قد غفرنا للمذنبين
إلينا على واقع الساعة واليوم، نأخذها وثيقة موثَّقة ونطير بها بجرأة كمَنْ عمل
عملاً سماوياً، نخترق به حاجز الخلود لنتراءى أمام الله ونطلب بالمقابل فعلاً
أبدياً، إذ نطلب غفران خطايانا من لَدُنْ الله!! الذي في معناه هو هو قوام الحياة
الأبدية! فما هذا الأمر؟ أنشتري بالفعل الزمني فعلاً خالداً أبدياً؟ نعم. ثم ما
سرُّ هذه المقايضة العجيبة البديعة المُغرية جداً؟
اسمع يـا صديقي وَعِ! فـالذي استطاع أن يغفر الخطايـا - كل الخطايـا - للآخرين كل الآخرين، الخطايا التي تخص ذاته
وكرامته واسمه وشهرته ووظيفته وحَسَبه ونَسَبه وماله وعياله وممتلكاته وحياته، هو
في حقيقته إنسان تحدَّى العالم وصُلب له! هو حقاً وبالحقيقة إنسان «ليس من هذا
العالم»! فإن كان قد صار ليس من هذا العالم، فقد بلغ قامة الصليب والمصلوب:
«(هؤلاء) ليسوا من العالم، كما أني أنا لست من العالم» (يو 14:17). إذن، فكيف يحسب
الله عليه خطية؟
واضح أن مَنْ استطاع أن يغفر للناس، كل الناس، خطاياهم
من نحوه، فقد تعانق فعلاً مع صليب الموت والمصلوب الميت!! «ليسوا من العالم كما
أني أنا لست من العالم، قدِّسهم في حقِّك» (يو 16:17و17)، فكيف يحسب عليه خطية؟
فانظر يا صديقي وانتبه، إن هذه الطلبة أو هذا الفعل
العجيب، أي طلب مغفرة خطاياك، هو العمل الوحيد الذي يأتيه الإنسان من ذاته في
ذاته ويدفع ثمنه من ذاته، دون أي جهد أو اجتهاد، دون أن يعتمد على علو علم أو عمق
معرفة، أو صوم أو صلاة، أو سهر أو مشقَّة، ولا يستغرق أزمنة ولا أياماً، كما لا
يحتاج إلى معلِّم أو مرشد أو حكيم. هو عمل تأتيه في لحظة من لحظات يقظة النفس،
وأنت رافع رأسك وقلبك وروحك ويديك نحو السماء، مُمسكاً بالإنجيل وقابضاً بالروح
على زمام الروح، وهاتفاً باسم الله الحي أن تغفر كل الخطايا لكل الناس!
«ولا تُدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير»:
بعد أن لقَّن المسيح أولاده كيف يطيرون ويحلِّقون في
الأعالي، يقدِّسون الاسم مع السيرافيم، ويطلبون ملكوت الله آتياً عَبْر قلوبهم
وأرواحهم، ويرفعون قدر المشيئة الإلهية لتبقى دائماً على مستوى السماء، لها
السيادة حتى تبقى الأرض على مستوى السماء بقدر ما يشاء الله، ثم لقَّنهم كيف
يطلبون خبز الخلود ليقتحم عالمنا ويومنا، ويعطينا مذاقة الحياة الأبدية، فنتغيَّر
كل يوم من الموت إلى الحياة!!
ثم وبعد أن سلَّمهم أيضاً وثيقة يطالبون بها غفران
خطاياهم عن استحقاق وجدارة! فإذا به يصدمهم صدمة توقظهم من مستوى الرؤى ومطالب
الخلود، لتحدرهم مرة واحدة إلى واقعهم الخطر ليدركوا أنهم غرباء في أرض الأعداء،
والشر محيط بهم يهددهم ويتحدَّاهم! فالمشتكي يجول يلتمس فيهم مدخلاً ومأكلاً،
يطالب بحقه فيهم ليُغربلهم كالحنطة ليُسقِط الضعيف والمتواني منهم، وهم كأطفال لا
حَوْلَ لهم أمام مجرِّب خطر متمرِّس في صناعة الغش والغدر والخداع. وهكذا بدأ
المسيح يلقِّنهم هنا “صرخة الاستغاثة”، يفزعون بها إلى الله لحظة الخطر عند
مجيء ساعة التجربة العتيدة أن تأتي على العالم لتبتلي كل ذي جسد. وهذه
الصرخة تحمل سر النجاة، إن أحسن الإنسان لحظة نُطْقها، فهي صرخة فعَّالة قبل أن
تقع التجربة!!
«لا تُدْخِلنا»، فنحن ندرأ التجربة بصراخنا للقادر أن
ينجِّي. ولكن إن توانينا، باغتنا العدو وأصاب منَّا مقتلاً: «فاخضعوا لله، قاوموا
إبليس فيهرب منكم، اقتربوا إلى الله فيقترب إليكم» (يع 7:4و8). فنحن نقترب إلى
الله حقاً وفعلاً بصراخنا إليه أمام التجربة، فإن اقتربنا إلى الله بصراخنا، ابتعد
العدو مدحوراً وولَّى هارباً، هذه الكلمات صادقة ومملوءة حقاً!!!
والتجربة حتماً آتية على العالم لا محالة، سواء في
صورتها المتجزئة التي تصدمنا كل يوم في كل ما يخصنا، أو في صورتها الخطرة التي
تهدف إلى انتزاع الإيمان من قلوبنا بضربتها المفاجئة المرعبة، فنبيع المسيح في
لحظة!! وهذه هي عينها نوع التجربة التي يشير إليها المسيح. من أجل هذا
وَضَعَ المسيح مُسبقاً في أفواهنا نداء الاستغاثة عن حكمة.
ولكي يتيقَّن القارئ من دقة المعنى الذي سُقناه إليه
في هذه الآية ليزداد تأكيداً، نقدِّم إليه قول المسيح في هذا الأمر عينه: «(هؤلاء)
ليسوا من العالم، كما أني أنا (أيضاً) لستُ من العالم. لستُ أسأل أن تأخذهم من
العالم بل أن تحفظهم من الشرير» (يو 14:17و15). هذا همُّ المسيح الأول من
جهة “أولاده الصغار” الذين تركهم في العالم يجاهدون من أجل حفظ الوديعة، وهو عالم
أنهم في مواجهة مستمرة مع عدوٍّ متمرِّس. لذلك لم يتركنا بدون كلمة سرٍّ نقولها
فننجو. فطوبى لِمَنْ تعلَّم أن لا يكفَّ عن طلب النجاة!! «الذي نجَّانا من موت مثل
هذا وهو ينجِّي، الذي لنا رجاء فيه أنه سينجِّي أيضاً فيما بعد.» (2كو 10:1)